Archive
Home Page
leftmenu2

 
 

بوش: الديانة الإسلامية تنسجم تماما مع مبادىء الحكم الديمقراطي

(نص خطابه عن الديمقراطية في الشرق الأوسط، 6 تشرين الثاني/نوفمبر)

واشنطن، 6 تشرين الثاني/نوفمبر – شدد الرئيس بوش على أن الديانة الإسلامية تنسجم تماما مع مبادىء الحكم الديمقراطي. واستشهد الرئيس بعدد من الدول الإسلامية التي تحكمها أنظمة ديمقراطية، ومنها تركيا، إندونيسيا والسينيغال والنيجر.

        ولكن الرئيس الأميركي شدد على أن العالم العربي لم يلحق بالركب الديمقراطي الذي يجتاح العالم. واستشهد، للتدليل على ذلك، بتقرير التنمية البشرية الثاني الذي أصدره برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، والذي جاء فيه أن الموجة العالمية للديمقراطية "بالكاد لامست  الدول العربية."

        وحث الرئيس الأميركي، الذي كان يتحدث في خطاب رئيسي عن الحاجة إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط في مقر مؤسسة الصندوق القومي للديمقراطية بواشنطن اليوم، الحكومات العربية على "ضرورة أن تتصدى للمشاكل الحقيقية وأن تخدم المصالح الحقيقية لشعوبها"، مضيفا أن "شعوب الشرق الأوسط الطيبة والمقتدرة تستحق قيادة مسؤولة." وقال إنه لفترة طويلة "كان سكان تلك المنطقة لا أكثر من ضحايا وأتباع، إنهم يستحقون أن يكونوا مواطنين نشطين."

        وفي حديثه عن المسألة الفلسطينية، قال بوش إن "السبيل الوحيد للاستقلال والكرامة والرخاء هو سبيل الديمقراطية."

وحث بوش الدولة العربية الأكبر، مصر، على تزعم مجهود الدمقرطة في العالم العربي، كما فعلت بتزعمها عملية السلام العربية الإسرائيلية. وقال: "لقد مهد الشعب المصري العظيم المعتز بنفسه الطريق نحو السلام في الشرق الأوسط والآن بات عليه أن يمهد الطريق نحو الديمقراطية."

        وقال بوش: "إن الديمقراطية لم تتجذر حتى الآن في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، في دول ذات أهمية استراتيجية عظيمة، ويبرز السؤال: هل تقع شعوب الشرق الأوسط بشكل ما  خارج نطاق تأثير الحرية؟ هل حكم على الملايين من الرجال والنساء والأطفال العيش في ظل الاستبداد بسبب التاريخ أو الثقافة؟ هل هم وحدهم دون سواهم الذين لن يعرفوا الحرية ولن يحصلوا إطلاقاً حتى على فرصة أن يكون لهم رأي في المسألة؟"

        وأجاب عن سؤاله بالقول: "أنا شخصياً، لا أصدق ذلك. أنا أومن أن لدى كل إنسان القدرة والحق في أن يكون حرا."

وشدد بوش على أن "أبطال الديمقراطية في المنطقة يدركون أن الديمقراطية غير كاملة وأنها ليست الطريق إلى المدينة الفاضلة لكنها الطريق الوحيد إلى الكرامة والنجاح القوميين. وإننا حين نشاهد إصلاحات في المنطقة ونشجعها، فإننا نعي أن التحديث ليس نفس الشيء كالتغريب." وأوضح أن "الحكومات التمثيلية في الشرق الأوسط ستعكس ثقافات وحضارات المنطقة. فهم لا يشبهوننا ولا ينبغي أن يكونوا كذلك. قد تكون الدول الديمقراطية ممالك دستورية، أو جمهوريات فدرالية أو أنظمة برلمانية."

وقال بوش: "إن الديمقراطية الفعالة دائما بحاجة إلى الوقت للتطور كما هو الحال بالنسبة للديمقراطية في بلادنا. فقد خضنا مسيرة استغرقت 200 سنة نحو الشمولية والعدل وهذا ما يجعلنا نتحلى بالصبر والتفهم عندما تكون الدول الأخرى في مراحل مختلفة من مسيرتها. ورغم ذلك فثمة مبادئ مركزية مشتركة بين جميع المجتمعات الناجحة في سائر الثقافات."

وفي وصفه للمجتمع الديمقراطي الناجح، قال بوش: "إن المجتمعات الناجحة تضع حدودا لسلطة الدولة وسلطة الجيش لكي تتمكن الحكومة من الاستجابة لإرادة الشعب بدلا من الاستجابة لإرادة النخبة ليس إلا. والمجتمعات الناجحة تقوم بحماية الحرية عبر القانون الدؤوب، وغير المجتزأ، بدلا من تطبيق القانون بصورة انتقائية لمعاقبة خصومها السياسيين. والمجتمعات الناجحة تسمح بقيام المؤسسات المدنية السليمة، وبتشكيل الأحزاب السياسية، ونقابات العمال، وبوجود الصحف ووسائل الإعلام المستقلة."

        واضاف أن "المجتمعات الناجحة تضمن حرية العقيدة والحق في إجلال الله وعبادته دون خشية التعرض للاضطهاد. إن المجتمعات الناجحة تسلم اقتصادياتها للقطاع الخاص وتضمن حق الملكية الفردية. كما تحظر وتعاقب الفساد الرسمي، وتخصص الاستثمارات في قطاعي الصحة والتعليم لمواطنيها. وهي مجتمعات تعترف بحقوق المرأة. وبدلا من توجيه مواطنيها نحو كراهية ورفض الآخرين فإن المجتمعات الناجحة تسعى لتحقيق آمال شعوبها."

وفي ما يلي النص الكامل لخطاب الرئيس:

(بداية النص)

الرئيس بوش: شكراً لكم.....تفضلوا بالجلوس. شكراً لهذا الترحيب الحار.

        شكراً لدعوتكم إياي للانضمام إليكم بمناسبة مرور عشرين عاماً على إنشاء مؤسسة الصندوق القومي للديمقراطية. لقد شهد موظفو ومدراء هذه المنظمة الكثير من التاريخ خلال العقدين الماضيين. لقد كنتم جزءاً من التاريخ. وقد ضاعفتم، من خلال مناداتكم بالحرية وتأييدكم لها، آمال الشعوب في جميع أنحاء العالم وكنتم مصدر فخر كبير لأميركا.

        إنني أقدر تقدمة فين القصيرة لي. ...ولكن الأهم من ذلك هو أنني أقدر الدعوة. إنني أقدر أعضاء الكونغرس الموجودين هنا.....من الحزبين. ....وإنني سعيد لأن جمهوريين وديمقراطيين ومستقلين يعملون معاً لدفع عجلة حرية البشر.

        تمكن إعادة جذور ديمقراطيتنا إلى إنجلترا وبرلمانها، كما تمكن إعادة جذور هذه المنظمة (إليهما). لقد ألقى الرئيس رونالد ريغان في شهر حزيران/يونيو من عام 1982، كلمة في قصر وستمنستر قال فيها إن نقطة التحول في التاريخ قد حلت. وجادل بأن الشيوعية السوفياتية قد أخفقت بالضبط لأنها لم تحترم شعوبها، وإبداعيتهم، وعبقريتهم، وحقوقهم. وقال الرئيس ريغان إن عصر الاستبداد السوفياتي آخذ في الأفول؛ وإن لدى الحرية زخماً لن يتم إيقافه. وقد انتدب هذه المنظمة ومنحها تفويضها لزيادة زخم الحرية عبر العالم. لقد كان ذلك التكليف مهماً قبل عشرين عاما؛ وهو بنفس تلك الأهمية اليوم.

        وقد رفض عدد من النقاد خطاب الرئيس ذاك. وجاء في إحدى الافتتاحيات التي نشرت آنذاك: "يبدو من الصعب أن يكون المرء أوروبياً رفيع الثقافة وفي نفس الوقت معجباً بريغان." ووصف بعض المراقبين في أوروبا وأميركا الشمالية الخطاب بأنه مفرط في التبسيط وساذج وحتى خطر. والواقع هو أن كلمات رونالد ريغان كانت شجاعة ومتفائلة وصحيحة تماما.

        وكانت الحركة الديمقراطية العظيمة التي وصفها الرئيس ريغان قد قطعت شوطاً كبيرا. ففي أوائل السبعينات من القرن الماضي، كانت هناك حوالى أربعين دولة ديمقراطية في العالم. وبحلول منتصف ذلك العقد، أجرت كل من البرتغال وإسبانيا واليونان انتخابات حرة. وبعد ذلك بفترة قصيرة، ظهرت ديمقراطيات جديدة في أميركا اللاتينية وكانت المؤسسات الحرة قد أخذت في الانتشار في كوريا وفي تايوان وشرق آسيا. وفي مثل هذا الأسبوع من عام 1989، قامت احتجاجات في مدينتي برلين الشرقية ولايبتسِغ (لايبزغ). وما أن حلت نهاية ذلك العام، حتى كانت كل الدكتاتوريات في أميركا الوسطى قد انهارت. وخلال عام آخر، أطلقت حكومة جنوب إفريقيا سراح نلسون مانديلا. وبعد ذلك بأربع سنوات، انتُخب رئيساً لبلده، فتحول، مثله في ذلك مثل فاونسا (زعيم حركة التضامن أو سوليدارنوش البولندي) وهافيل (زعيم الثورة المخملية التشيكوسلوفاكية) من سجين دولة إلى رئيس دولة. ومع انتهاء القرن العشرين، كانت قد أصبحت هناك مئة وعشرون دولة ديمقراطية في العالم. وأستطيع أن أؤكد لكم أن المزيد منها في طريقه إلى الظهور. كان رونالد ريغان سيسعد لو قُدر له أن يعرف ذلك، وكان سيُصاب بالدهشة. 

        لقد شاهدنا، خلال أقل من جيل واحد، أسرع تقدم للحرية في قصة الديمقراطية التي تمتد عبر ألفين وخمسمئة عام. وسيقدم المؤرخون في المستقبل تفسيراتهم للأسباب التي أدت إلى حدوث هذا، ولكننا نعرف منذ الآن بعض الأسباب التي سيوردونها.

        فليس من قبيل المصادفة أنّ هذا العدد الكبير من الديمقراطيات ظهر في نفس الوقت الذي كانت فيه أكثر الدول نفوذاً هي نفسها ديمقراطية. فقد قطعت الولايات المتحدة تعهدات عسكرية وأخلاقية في أوروبا وآسيا حَمَت الدول الحرة من العدوان وخلقت الظروف التي يمكن فيها للديمقراطيات الجديدة أن تزدهر. ومع توفيرنا الأمن لدول بأكملها، قدمنا أيضاً الإلهام للشعوب المقموعة، في معسكرات السجون، وفي اجتماعات النقابات المحظورة، وفي الكنائس السرية. وقد عرف الرجال والنساء أن العالم لا يشاركهم برمته نفس كابوسهم. وعرفوا أن هناك مكاناً واحداً على الأقل، بلداً مشرقاً مفعماً بالأمل، تحظى فيه الحرية بالأمن والتقدير. وكانوا يبتهلون ألا تنساهم أميركا أو تنسى رسالة تعزيز الحرية في جميع أنحاء العالم.

        وسيذكر المؤرخون أن تقدم الأسواق والأعمال الحرة ساعد، في كثير من البلدان، على إيجاد طبقة متوسطة كان لديها ما يكفي من الثقة بحيث طالبت بحقوقها. وسوف يشيرون إلى دور التكنولوجيا في إحباط الرقابة والسلطة المركزية، ويتعجبون من قدرة الاتصالات الفورية على نشر الحقيقة والأخبار والشجاعة عبر الحدود.

        وسيفكر المؤرخون في المستقبل مليّاً بحقيقة استثنائية لا يمكن إنكارها: إن الدول الحرة تزداد قوة بمرور الوقت في حين تزداد الدكتاتوريات ضعفا. وقد تصوّر البعض في منتصف القرن العشرين أن التخطيط  المركزي وإخضاع المجتمع لتنظيم صارم تشكل طريقاً مختصرة لتحقيق القوة القومية. والواقع هو أن الازدهار والحيوية الاجتماعية والتقدم التكنولوجي لشعب ما تتحدد جميعاً بشكل مباشر وفقاً لمدى حريته. إن الحرية تحترم قدرة البشر الإبداعية وتطلق العنان لها، والإبداع هو ما يحدد قوة وثراء الشعوب. إن الحرية هي خطة الله للإنسانية، وهي في نفس الوقت أفضل أمل للتقدم هنا على الأرض.

        وفي حين أن تقدم الحرية اتجاه قوي، إلا أننا نعرف أيضاً أنه يمكن فقدان الحرية إن لم يتم الدفاع عنها. ذلك أن نجاح الحرية لا يتحقق بفعل شكل من أشكال الديالكتيك أو الجدل التاريخي. إن نجاح الديمقراطية يقوم على خيارات الشعوب الحرة وشجاعتها وعلى استعدادها للتضحية.

        وقد أظهر الأميركيون بوفرة استعدادنا للتضحية في سبيل الحرية في خنادق الحرب العالمية الأولى، وفي حرب على جبهتين في الأربعيانات من القرن الماضي، وفي المعارك الصعبة في كوريا وفيتنام، وفي مهمات الإنقاذ والتحرير التي قاموا بها في كل قارة تقريبا. ولم تحظ تضحيات الأميركيين دوماً بالاعتراف والتقدير، ولكنها كانت في سبيل ما يستحقها.

        وقد أصبحت ألمانيا واليابان دولتين ديمقراطيتين ولم تعدا تشكلان تهديداً للعالم نتيجة لثباتنا وثبات حلفائنا. وقد انتهى مأزق التعادل النووي العالمي مع الاتحاد السوفياتي بشكل سلمي، كما انتهى الاتحاد السوفياتي نفسه. والدول الأوروبية آخذة في التحرك الآن نحو الوحدة، لا منقسمة إلى معسكرات مسلحة آخذة في الانزلاق نحو الإبادة الجماعية. لقد تلقنت كل دولة، أو ينبغي أن تكون قد تلقنت، درساً مهما: إن الحرية تستحق القتال في سبيلها، والموت من أجلها، ومناصرتها، وإن تقدم الحرية يقود إلى السلام.

        وينبغي علينا الآن أن نطبق ذلك الدرس في وقتنا الحاضر. فقد وصلنا إلى نقطة تحول أخرى عظيمة، وستحدد العزيمة التي نظهرها شكل المرحلة التالية من الحركة الديمقراطية العالمية. يجري اختبار التزامنا بالديمقراطية في دول مثل كوبا وبورما وكوريا الشمالية وزمبابوي، بؤر الاضطهاد في عالمنا. ويعيش الناس في هذه الدول في حالة عبودية وخوف وصمت. إلا أن تلك الأنظمة لا تستطيع كبح الحرية إلى الأبد، وسيبرز في يوم ما زعماء ديمقراطيات جديدة من معسكرات السجون ومن زنزانات السجون ومن المنفى.

        إن الشيوعية والتسلط العسكري وحكم أصحاب النزوات والفاسدين أمور من مخلفات حقبة منصرمة. وسنقف إلى جانب هذه الشعوب المضطهدة حتى يحل أخيراً يوم التحرير والحرية.

        ويتم اختبار التزامنا بالديمقراطية في الصين. وقد أصبح لدى تلك الدولة الآن شظية أو جزء صغير من الحرية. ولكن الشعب الصيني سيريد حريته في يوم من الأيام كاملة صِرفة.

        لقد اكتشفت الصين أن الحرية الاقتصادية تؤدي إلى الثروة القومية. وسيكتشف قادة الصين أيضاً أن الحرية لا يمكن تجزئتها وأن الحرية الاجتماعية والدينية أساسية هي أيضاً للعَظمة القومية وللكرامة القومية. وفي نهاية المطاف، سيصر الرجال والنساء الذين سمح لهم بالتحكم بثروتهم على التحكم بحياتهم وبلدهم.

        كما يجري اختبار التزامنا بالديمقراطية في الشرق الأوسط، وهو محور اهتمامي اليوم وينبغي أن يكون محور اهتمام السياسة الأميركية لعقود قادمة. إن الديمقراطية لم تتجذر حتى الآن في الكثير من بلدان الشرق الأوسط، في دول ذات أهمية استراتيجية عظيمة، ويبرز السؤال: هل تقع شعوب الشرق الأوسط بشكل ما  خارج نطاق تأثير الحرية؟ هل حكم على الملايين من الرجال والنساء والأطفال العيش في ظل الاستبداد بسبب التاريخ أو الثقافة؟ هل هم وحدهم دون سواهم الذين لن يعرفوا الحرية ولن يحصلوا إطلاقاً حتى على فرصة أن يكون لهم رأي في المسألة؟

        أنا شخصياً، لا أصدق ذلك. أنا أومن أن لدى كل إنسان القدرة والحق في أن يكون حرا.

        ويؤكد بعض المشككين في الديمقراطية بأن تقاليد الإسلام لا تلائم نظام الحكم التمثيلي. ولهذا الشعور بالتفوق الثقافي، كما وصفه رونالد ريغان، تاريخ طويل.

        فبعد استسلام اليابان في عام 1945، جزم خبير مزعوم بشؤون اليابان بأن الديمقراطية "لن تنجح إطلاقاً"، على حد تعبيره، في تلك الامبراطورية السابقة.

        وأعلن مراقب آخر أن فرص (نجاح) الديمقراطية في ألمانيا ما بعد هتلر هي، على حد قوله "غير مؤكدة إطلاقا، في أفضل الحالات." وقد أعلن هذا الادعاء في عام 1957.

        وقالت صحيفة صنداي لندن تايمز قبل أربعة وسبعين عاماً إن تسعة أعشار الشعب الهندي "أميون، ليس لديهم أدنى اهتمام بالسياسة." ولكن الشعب الهندي أظهر التزامه بالحرية، عندما تعرضت الديمقراطية الهندية للخطر في السبعينات من القرن الماضي، من خلال استفتاء قومي أنقذ طريقة الحكم فيه.

        وقد ألقى المراقبون شكوكاً مرة تلو المرة حول ما إذا كانت هذه الدولة أو ذلك الشعب أو هذه المجموعة مهيأة للديمقراطية، وكأن الحرية جائزة يفوز بها المرء لانطباق معاييرنا الغربية للتقدم عليه. والواقع هو أن عمل الديمقراطية اليومي نفسها هو السبيل إلى التقدم. فهو يعلم التعاون، وتبادل الأفكار بحرية، وحل الخلافات سلميا. وكما يظهر الرجال والنساء من بنغلادش إلى بوتسوانا مروراً بمنغوليا، إن ممارسة الحرية هي ما يجعل دولة ما مهيأة للديمقراطية، وتستطيع كل دولة بدء السير في هذا الطريق.

        وينبغي أن يكون واضحاً للجميع أن الإسلام، الدين الذي يدين به خُمس البشر، منسجم مع الحكم الديمقراطي. فالتقدم الديمقراطي موجود في الكثير من الدول التي يشكل المسلمون غالبية سكانها، في تركيا وفي إندونيسيا، وفي السنيغال، وفي ألبانيا والنيجر وسيراليون. إن المسلمين والمسلمات مواطنون صالحون في الهند وجنوب إفريقيا، وفي دول أوروبا الغربية وفي الولايات المتحدة الأميركية. ويعيش أكثر من نصف مسلمي العالم بحرية وفي ظل حكومات تم تشكيلها بطريقة ديمقراطية. وهم يحققون النجاح في المجتمعات الديمقراطية، لا على الرغم من ديانتهم، بل بسببها.

        فالدين الذي يأمر بالمحاسبة الفردية الأخلاقية ويشجع على التقاء الفرد بالخالق هو دين منسجم تماماً مع حقوق ومسؤوليات الحكم الذاتي. إلا أن هناك تحدياً كبيراً في الشرق الأوسط اليوم. وكما قال تقرير أصدره بحاثة عرب أخيراً، إن موجة الديمقراطية العالمية، "بالكاد وصلت الدول العربية". ويواصل التقرير: "إن هذا النقص في الحرية يقوض التنمية البشرية وهو ظاهرة من أكثر ظواهر التنمية السياسية المتخلفة إيلاما."

        وللنقص في الحرية الذي يصفوه عواقب رهيبة بالنسبة لشعب الشرق الأوسط وللعالم. فالفقر متأصل في الكثير من دول الشرق الأوسط وهو آخذ في الانتشار. وتفتقر النساء إلى الحقوق ويُحرمن من تحصيل العلم. وما زالت مجتمعات بأكملها تعاني من الركود، في حين يواصل العالم تقدمه. إن هذه ليست إخفاقات ثقافة أو ديانة؛ إنها إخفاقات عقائد سياسية واقتصادية.

        لقد شهد الشرق الأوسط، مع انقضاء الحقبة الاستعمارية، إقامة الكثير من الدكتاتوريات العسكرية. وتبنى بعض الحكام المبادئ الشستراكية؛ فاستولوا على كامل السيطرة على الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام والجامعات. وتحالفوا مع الكتلة السوفياتية ومع الإرهاب الدولي. وتعهد الحكام الدكتاتوريون في سورية والعراق باستعادة الشرف القومي، وبالعودة إلى الأمجاد الماضية. وخلّفوا، بدلاً من ذلك، تركة من التعذيب والقمع والبؤس والدمار.

        كما اكتسب رجال آخرون ومجموعات أخرى من الرجال نفوذاً في الشرق الأوسط وخارج حدوده من خلال إيديولوجية الإرهاب الثيوقراطي. ويتستر خلف لغتهم الدينية الطموح إلى سلطة سياسية مطلقة. وتظهر زمرهم الحاكمة مثل طالبان طريقتهم في التقوى الدينية من خلال جلد النساء علنا، وقمع أي معارضة أو اختلاف دون رحمة، ودعم الإرهابيين الذين يقومون بالتسليح والتدريب لقتل الأبرياء. لقد وعد نظام طالبان بالنقاء الديني والعزة القومية. وخلف وراءه بدلاً من ذلك المعاناة والمجاعة، نتيجة لتدميره المنظم لمجتمع عامل أبي.

        ويدرك الكثير من حكومات الشرق الأوسط الآن أن الدكتاتورية العسكرية والحكم الثيوقراطي (الديني) هما طريق واسع سهل يوصل إلى لا مكان. ولكن بعض الحكومات ما زالت متشبثة بعادات السيطرة المركزية القديمة. وهناك حكومات ما زالت تخشى وتقمع التفكير المستقل والإبداع في الأعمال الخاصة، وهي الصفات الإنسانية التي تؤدي إلى مجتمعات قوية ناجحة. وحتى عندما تتوفر لدى هذه الدول موارد طبيعية ضخمة، فإنها لا تحترم أو تطور أعظم مواردها، موهبة ونشاط رجال ونساء يعملون ويعيشون بحرية.  

فبدلاً من التركيز المفرط على الأخطاء السابقة و لوم الآخرين، فإن الحكومات في الشرق الأوسط بحاجة إلى مواجهة المشاكل الحقيقية وخدمة مصالح دولها الحقيقية. إن الشعوب الخيّرة والقديرة في الشرق الأوسط تستحق الزعامة المسؤولة. لقد كان ولا يزال العديد من مواطني المنطقة مجرد ضحايا وتابعين خاضعين. إنهم يستحقون أن يكونوا مواطنين فعالين.

لقد أصبحت الحكومات في شتى أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تدرك الحاجة إلى التغيير، حيث بات في المغرب برلمان جديد يمثل جميع أطياف المجتمع. وقد حثه الملك محمد الخامس على توسيع الحقوق لتشمل النساء.

 وهكذا شرح صاحب الجلالة الإصلاحات البرلمانية التي أدخلها: "كيف يستطيع المجتمع تحقيق التقدم في الوقت الذي تنتهك فيه حقوق النساء اللاتي يمثّلن نصف عدد السكان في البلاد وهن أيضا يعانين من الظلم، والعنف والتهميش، متجاهلين بذلك ما منحهن الدين الحنيف من الكرامة والوقار والعدل؟"

         وإن العاهل المغربي محق حين قال إن مستقبل الدول الإسلامية سيكون أفضل للجميع  بالمشاركة الكاملة من قبل النساء. (تصفيق)

وفي البحرين، قام المواطنون بانتخاب مجلس النواب هناك للمرة الأولى منذ ثلاثين عاما تقريبا. أما سلطنة عمان فقد وسعت حق التصويت ليشمل جميع المواطنين البالغين. وفي قطر تم إعداد دستور جديد. وفي اليمن يوجد نظام التعددية السياسة الحزبية. ولدولة الكويت مجلس أمة تم انتخابه انتخابا مباشرا. أما الأردن فقد جرت فيه انتخابات تاريخية خلال الصيف الماضي. وتكشف الدراسات التي أجريت حديثا في الدول العربية أن هناك دعما واسعا للتعددية السياسية وسيادة القانون وحرية التعبير. إن هذه هي شروط الديمقراطية الشرق أوسطية والتي تحمل معها بشائر بمجيء تغير عظيم. وعند حدوث هذه التغيرات في منطقة الشرق الأوسط، فإنه يتعين على من هم في السلطة أن يسألوا أنفسهم: هل سيتذكرهم الناس من خلال مقاومتهم للإصلاح أم من خلال تزعمهم القيام به؟

وفي إيران هناك مطالبة قوية على نطاق واسع بالديمقراطية، فكما رأينا في الشهر المنصرم حين تجمع الآلاف من الناس للترحيب بعودة شيرين عبادي التي فازت بجائزة نوبل للسلام إلى بلدها. إن على النظام في طهران أن يراعي مطالب المواطنين الإيرانيين بالديمقراطية وإلا جازف بفقدان آخر إدعاء له بالشرعية. (تصفيق)

وبالنسبة للشعب الفلسطيني، فإن السبيل الوحيد إلى الاستقلال، والكرامة والتقدم هو سبيل الديمقراطية. (تصفيق) وإن الزعماء الفلسطينيين الذين يعرقلون الإصلاح الديمقراطي ويقوضونه ويغذّون الكراهية ويشجّعون العنف ليسوا زعماء على الإطلاق، بل إنهم هم الذين يشكلون العقبات الرئيسية أمام السلام وأمام نجاح الشعب الفلسطيني.

وقد اتخذت الحكومة السعودية الخطوات الأولى نحو الإصلاح ومنها خطة لإدخال الانتخابات بصورة تدريجية. ويمكن للحكومة السعودية إبراز الزعامة الحقيقية في المنطقة من خلال منح الشعب السعودي دورا أكبر في المجتمع.

 لقد مهد الشعب المصري العظيم المعتز بنفسه الطريق نحو السلام في الشرق الأوسط والآن بات عليه أن يمهد الطريق نحو الديمقراطية.

إن أبطال الديمقراطية في المنطقة يدركون أن الديمقراطية غير كاملة وأنها ليست الطريق إلى المدينة الفاضلة لكنها الطريق الوحيد إلى الكرامة والنجاح القوميين. وإننا حين نشاهد إصلاحات في المنطقة ونشجعها، فإننا نعي أن التحديث ليس نفس الشيء كالتغريب. وإن الحكومات التمثيلية في الشرق الأوسط ستعكس ثقافات وحضارات المنطقة. فهم لا يشبهوننا ولا ينبغي أن يكونوا كذلك. قد تكون الدول الديمقراطية ممالك دستورية، أو جمهوريات فدرالية أو أنظمة برلمانية.

وإن الديمقراطية الفعالة دائما بحاجة إلى الوقت للتطور كما هو الحال بالنسبة للديمقراطية في بلادنا. فقد خضنا مسيرة استغرقت 200 سنة نحو الشمولية والعدل وهذا ما يجعلنا نتحلى بالصبر والتفهم عندما تكون الدول الأخرى في مراحل مختلفة من مسيرتها. ورغم ذلك فثمة مبادئ مركزية مشتركة بين جميع المجتمعات الناجحة في سائر الثقافات.

إن المجتمعات الناجحة تضع حدودا لسلطة الدولة وسلطة الجيش لكي تتمكن الحكومة من الاستجابة لإرادة الشعب بدلا من الاستجابة لإرادة النخبة ليس إلا. والمجتمعات الناجحة تقوم بحماية الحرية عبر القانون الدؤوب، وغير المجتزأ، بدلا من تطبيق القانون بصورة انتقائية لمعاقبة خصومها السياسيين. والمجتمعات الناجحة تسمح بقيام المؤسسات المدنية السليمة، وبتشكيل الأحزاب السياسية، ونقابات العمال، وبوجود الصحف ووسائل الإعلام المستقلة.

        إن المجتمعات الناجحة تضمن حرية العقيدة والحق في إجلال الله وعبادته دون خشية التعرض للاضطهاد. إن المجتمعات الناجحة تسلم اقتصادياتها للقطاع الخاص وتضمن حق الملكية الفردية. كما تحظر وتعاقب الفساد الرسمي، وتخصص الاستثمارات في قطاعي الصحة والتعليم لمواطنيها. وهي مجتمعات تعترف بحقوق المرأة. وبدلا من توجيه مواطنيها نحو كراهية ورفض الآخرين فإن المجتمعات الناجحة تسعى لتحقيق آمال شعوبها.

        هذه المبادئ المهمة يجري تطبيقها في أفغانستان والعراق. فبالقيادة الراسخة للرئيس كرزاي يقوم الشعب الأفغاني بتشكيل حكومة مسالمة وعصرية. وفي الشهر القادم سيشارك 500 مندوب في اجتماعات الجمعية الوطنية في كابول للتصديق على الدستور الجديد لأفغانستان. وتنص مسودة مشروع الدستور على إنشاء برلمان مكون من مجلسين، وهو الذي سيرتب لإجراء الانتخابات الوطنية في العام القادم، كما ينص مشروع الدستور على الاعتراف بالهوية الإسلامية لأفغانستان وفي الوقت نفسه حماية حقوق كل المواطنين.

        إن أفغانستان تواجه تحديات اقتصادية وأمنية مستمرة وهي ستواجه تلك التحديات في المستقبل كدولة ديمقراطية مستقرة.

        وفي العراق، تعمل سلطة التحالف المؤقتة ومجلس الحكم العراقي من أجل بناء الديمقراطية. وهذه ليست مهمة سهلة بعد ثلاثة عقود من الاستبداد والطغيان. إن الدكتاتور السابق كان يحكم بالترويع والغدر، وخلف عادات الخوف وعدم الثقة المتأصلة بعمق. وتواصل بقايا فلول هذا النظام مع الإرهابيين الأجانب معركتها ضد النظام والتحضر.

        إن تحالفنا يرد على الهجمات الأخيرة بشن غارات دقيقة تسترشد بما يقدمه العراقيون أنفسهم من معلومات استخبارية. ونحن نتعاون تعاونا وثيقا مع المواطنين العراقيين وهم يعدون دستورهم، ويتجهون نحو إجراء الانتخابات، وتحمل مسؤوليات متزايدة تتلعق بشؤونهم الخاصة.      

وكما كان الحال في الدفاع عن اليونان في 1947 ولاحقا في ظروف امداد برلين من الجو، فان قوة الشعوب الحرة وعزيمتها هي الآن على المحك امام عالم يراقب ما نقوم به، ولسوف ننجح في هذا الاختبار.

        ان اشاعة الأمن في العراق هي نتاج عمل اياد كثيرة.  فالقوات الاميركية وقوات التحالف تقوم بالتضحيات من أجل السلام في العراق ومن أجل أمن الأمم  الحرة. ويواجه عمال الغوث من بلدان عديدة المخاطر من أجل مساعدة الشعب العراقي.

        وتقوم مؤسسة الصندوق القومي للديمقراطية بالترويج لحقوق النساء وبتدريب صحفيين عراقيين وتلقينهم المهارات الخاصة بالمشاركة السياسية.  والعراقيون أنفسهم، من رجال شرطة وحرس حدود ومسؤولين محليين، ينضمون إلى هذا العمل وهم يتشاطرون التضحيات.

        وهذا مشروع هائل وعسير.  وهو يستحق مجهودنا. ويستحق تضحياتنا لأننا نعرف ما هو على المحك.  ففشل الديمقراطية في العراق انما سيجعل الإرهابيين أكثر جسارة حول العالم. وسيزيد الأخطار على الشعب الأميركي وسيخبو أمل  الملايين في المنطقة.  والديمقراطية العراقية ستتكلل بالنجاح ومن شأن هذا النجاح أن يبعث برسالة الى دمشق وطهران مفادها ان الحرية يمكن ان تكون من نصيب كل أمة في المستقبل.  ان تأسيس عراق حر في صميم الشرق الأوسط سيكون بمثابة حدث مفصلي بارز في الثورة العالمية للديمقراطية.

        ان تساهل دول الغرب حيال انعدام الحرية، وذرائعها لذلك، في الشرق الأوسط، على مدى 60 عاما، لم يحقق شيئا لجعلنا في مأمن، لأن الاستقرار في الأمد البعيد لا يمكن ان يُشترى على حساب الحرية.  وطالما ظل الشرق الأوسط مكانا لا تزدهر فيه الحرية، فإنه سيبقى مكانا يتسم بالتشنج ومشاعر الامتعاض والعنف، الجاهزة للتصدير.  ومع انتشار أسلحة الدمار الشامل التي يمكن ان تلحق ضررا كارثيا ببلادنا وبأصدقائنا، سيكون من الطائش لنا ان نقبل بالوضع الراهن.

        وعليه، فقد تبنت الولايات المتحدة سياسة جديدة، واستراتيجية أمامية حيال الحرية في الشرق الأوسط.  وهذه الاستراتيجية تتطلب الإصرار والطاقة والمثل العليا ذاتها التي عرضناها من قبل وهي ستؤتي الثمار نفسها.  وكما في أوروبا، وفي آسيا وكما في كل منطقة من العالم، فان تقدم الحرية يؤول الى السلام.  ان تقدم الحرية هو نداء زمننا.  وهو نداء بلدنا. فمن "النقاط الأربع عشرة" الى "الحريات الأربع" ومرورا بالخطاب في وستمنستر وضعت أميركا قوتنا في خدمة المبادئ.  ونحن نعتقد بأن الحرية هي من صنع الطبيعة، ونحن نرى ان الحرية تشكل اتجاه التاريخ. ونحن نعتقد بان تلبية حاجات البشر والكمال هما ثمرتا الممارسة المسؤولة للحرية.

        ونحن نؤمن بان الحرية – الحرية  التي نثمنها - لا نستحقها نحن وحدنا، بل انها حق من حقوق البشرية ومن قدراتها.

        ان العمل من أجل نشر الحرية يمكن ان يكون عملا عسيرا.  لكن أميركا انجزت اعمالا عسيرة في السابق. ان أمتنا قوية ونحن أقوياء في قلوبنا.  ونحن لا نقف وحدنا.  فالحرية تجد حليفات في كل بلد والحرية تجد حليفات لها في كل ثقافة.  وفي الوقت الذي نجابه فيه الإرهاب والعنف في العالم، فإن بمقدورنا أن نكون على يقين من ان مصدر الحرية لن يكون غير مبال بمصير الحرية.

        ومع كل الامتحانات العسيرة وتحديات عصرنا، فإن هذا العصر هو من دون شك عصر الحرية في المقام الأول. وإنني أدرك أنكم جميعا هنا في مؤسسة الصندوق القومي للديمقراطية تتعاطون تعاطيا تاما مع القضية الكبرى، قضية الحرية، وأنا اشكركم على ذلك. وليبارك الله عملكم وليستمر في مباركة أميركا.

(نهاية النص)

 (تصدر نشرة واشنطن عن مكتب برامج الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية الأميركية، وعنوانه على شبكة الويب: http://usinfo.state.gov)

* اشترك بنشرة واشنطن العربية لتصلك يومياً على عنوان بريدك الإلكتروني، عند حوالى الساعة الخامسة بتوقيت غرينيتش. للاشتراك، إضغط على العنوان التالي، http://usinfo.state.gov/arabic/wfsub.htm  واتبع الارشادات.

****

A simpler version of this page for printingPrinter-friendly Version

Home | Official Documents | Budget and Finance | Transcripts | Press Releases
Requests for Proposals/Solicitations | Business Center | Webmaster
Privacy and Security Notice

Volunteers For Prosperity First Gov USA Freedom Corps White House Foreign Aid in the National Interest