واشنطن، 10 حزيران/يونيو، 2004 -- نشر هذا المقال
بقلم بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأميركي في صحيفة وول ستريت جورنال يوم 9
حزيران/يونيو 2004 وهو الآن ملك مشاع ولا توجد قيود على إعادة نشره
خارطة الطريق نحو عراق مستقل
بقلم بول وولفويتز
بعد عملية انتحارية نُفذت بتفجير سيارة مفخخة، أسفرت عن مقتل رئيس مجلس الحكم
الانتقالي عز الدين سليم وثمانية آخرين يوم 17 أيار/مايو، وضع عراقي الحادث
الإرهابي في منظور أوسع نطاقا أمام أولئك الذين يتساءلون عما إذا كانت الديمقراطية
يمكن أن تنجح في العراق. اسمه عمر وهو أحد العراقيين من أصحاب النشرات المجانية
الجديدة على الانترنيت، وقد كتب في نشرته الالكترونية على الانترنت: "إننا لا
نستطيع ... حماية كل شخص بمفرده، بمن فيهم قادتنا وكبار مسؤولينا الذين يمثلون
الأهداف المفضلة للإرهابيين -- لكننا نستطيع أن نجعل محاولاتهم تبوء بالفشل بتوفير
قيادات جديدة يمكن أن تحل محل قيادتنا."
وفي ممارسته لحرية التعبير عن الرأي التي استعادها من جديد عبر شبكة الانترنت تعرض
عمرلما يعتبره سوء الفهم الكبير من جانب الإرهابيين للطريق الذي يتجه نحوه العراق.
إن الإرهابيين -- سواء كانوا صداميين أو أجانب -- "يفكرون بنفس الأسلوب الدكتاتوري
الذي يفكر به أساتّذتهم ومعلموهم." فهم لا يدركون أن حصر القيادة في شخص قوي لا
يمكن الاستغناء عنه ظاهرة تنطبق على الأنظمة الاستبدادية فقط -- ولا تنطبق على
النظم الديمقراطية.
إن ذلك الفهم لاستقرار الحكومة التي تمثل الشعب قد تأكد حينما تولى عضو المجلس غازي
مشعل عجيل الياور رئاسة مجلس الحكم بعد مقتل عز الدين سليم. وقد أظهر تحول القيادة
إليه بشكل خاضع للنظام أن مبادئ العملية الديمقراطية بدأت تحدث أثرها بالفعل في
العراق. إن الأمل في العراق الجديد، الذي تحاط فيه الحرية بحماية الديمقراطية وحكم
القانون تكمن في مثل هذه العملية.
إن هذا التصور الحافل بالأمل هو أخشى ما يخشاه أعداء العراق الجديد. وبمواصلة
القتال حتى بعد القبض على صدام حسين في كانون الأول/ديسمبر الماضي، يواصل القتلة
والجلادون في نظامه هم وحلفاؤهم الإرهابيون، بفكرهم الضال الشرير، يواصلون السعي
باستخدام القتل والدمار إلى الحيلولة دون بزوغ عراق جديد حر. وفي رسالة اعترضتها
قوات التحالف في كانون الثاني/يناير كتب أحد أكثر الإرهابيين المعروفين بسوء السمعة،
وهو أبو مصعب الزرقاوي، كتب إلى زملائه في القاعدة بأفغانستان يقول إن الديمقراطية
في أفغانستان تأتي معها باحتمالات "خنق" الإرهابيين أو القضاء عليهم، وباحتمال أن
يهبّ العراقيون للقتال من أجل الدفاع عن أنفسهم. وتساءل الزرقاوي أنه حينما يكون
الجيش والشرطة "يمتان إلى سكان تلك المنطقة بصلة قرابة، وبروابط الدم والشرف، كيف
يمكن لنا أن نقاتل أبناءهم وأبناء عمومتهم، وتحت أي حجة، بعد أن ينسحب الأميركيون؟
إن الديمقراطية قادمة، ولن تكون هناك أي ذريعة لنا بعد ذلك."
إن الرئيس بوش أعلن في الآونة الأخيرة خطة مكونة من خمس خطوات لمساعدة العراقيين
على التقدم فيما بعد الاحتلال نحو تشكيل حكومة دستورية شاملة، حكومة تنبذ أسلحة
الدمار الشامل والإرهاب، وتحافظ على وحدة أراضي العراق وتعيش في سلام مع جيرانها.
وتتضمن الخطة خمس مراحل متكافلة لبناء قدرة العراقيين على إدارة شؤونهم الخاصة
بنجاح.
* نقل السلطة
أول مرحلة في خطة الرئيس ستصبح سارية المفعول في 30 حزيران/يونيو حينما تقوم سلطة
التحالف المؤقتة بنقل السلطة إلى الحكومة العراقية المؤقتة، وهي كيان يتكون من رئيس
ونائبين له، ورئيس وزراء ونائب لرئيس الوزراء و31 وزيرا آخر. وسيتولى أعضاء الحكومة
الجديدة المسؤولية بالنسبة لشؤون الحكم اليومية والعمل كشريك رئيسي في توفير الأمن
للعراق حتى إجراء الانتخابات في كانون الثاني/يناير 2005 .
وقد تم اختيار أعضاء الحكومة الجديدة التي أعلنت يوم 2 حزيران/يونيو عبر عملية
مشاورات واسعة النطاق مع الشعب العراقي قادها الأخضر الإبراهيمي المستشار الخاص
لأمين عام الأمم المتحدة بشأن العراق. وسيكون رئيس الدولة الجديد غازي الياور، نفس
الشخص الذي تقدم ليحل محل رئيس مجلس الحكم العراقي القتيل عز الدين سليم. أما رئيس
الوزراء الجديد -- الذي سيتحمل المسؤولية الرئيسية لإدارة الحكومة -- فهو الدكتور
إياد علاوي وهو طبيب ومن المعارضين الرئيسيين لصدام حسين لسنوات عديدة، والذي تعرض
في وقت ما لمحاولة اغتيال على يد عملاء صدام حسين.
إن الحكومة الجديدة ليست مجلس الحكم القديم في شكل جديد -- فهناك أربعة أعضاء فحسب
من أعضاء مجلس الحكم القديم، وعددهم 26 عضوا، هم الذين سيشاركون في الحكومة الجديدة.
وقد وصف الحكومة الجديدة عراقي آخر اسمه زياد بأنها مجموعة "مثيرة للإعجاب" تضم ست
نساء في مناصب وزارية، وهذه "خطوة لم يسبق لها مثيل في المنطقة." وأضاف زياد "إن
العراقيين يحتاجون لأن يكونوا متفائلين في مثل هذه اللحظة الحرجة، وإلا "فإنهم
سيبقون متخلفين مع قوى الظلام التي تصر على قتل مزيد من العراقيين وتعويق التغييرات
الجديدة."
وفي مناسبة إعلان الحكومة الجديدة تحدث الدكتور علاوي إلى "إخوته وأخواته الأعزاء"
عن بناء "وحدة وطنية حقيقية" حتى - حسبما قال - "نتمكن من أن نتقدم بسرعة نحو إقامة
مجتمع يحكمه القانون وتشمله العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان" من أجل بناء "عراق
متحضر ومتقدم ينعم به كل العراقيين."
وطالب الدكتور علاوي "بتسجيل تقديرنا وامتناننا العميق للتحالف بقيادة الولايات
المتحدة الذي قدم تضحيات كبيرة من أجل تحرير العراق." ثم تحول في حديثه عن العربية
مضيفا بالإنجليزية " أود أن أقول ذلك بالإنجليزية. أود أن أشكر التحالف بقيادة
الولايات المتحدة على التضحيات التي قدموها في عملية تحرير العراق."
إن العراق سيصبح مستقلا في 30 حزيران/يونيو، وستفتتح سفارة أميركية جديدة في العراق
يوم الأول من تموز/يوليو يرأسها السفير جون نيغروبونتي ، الذي سيكون ممثلا للولايات
المتحدة لدي حكومة العراق المستقلة. إن شكل علاقتنا سيتغير لكن التزامنا سيبقى كما
هو. فالعراقيون هم الذين سيتخذون القرارات الخاصة بكيفية حكم بلدهم. لكننا على
استعداد لمواصلة دورنا كشركاء بصورة كاملة من أجل المساهمة في تحقيق اليمقراطية
والأمن بالعراق. وخلال تلك المرحلة سينصب تركيزنا على دعم التحول السياسي في العراق،
وتجهيز وتدريب قوات الأمن العراقية والمساعدة في تهئية الظروف للانتخابات الوطنية
في أواخر العام.
* الأمن
إن الأمن هو أساس تحقيق النصر في العراق -- إنه الأساس الذي ستبني عليه كل النجاحات
- وهو أي الأمن- يكمن في تمكين العراقيين من تولي زمام القيادة في مجال الدفاع عن
أنفسهم. علاوة على ذلك فإن العراقيين لديهم مزايا فريدة في مواجهة العدو الذي
نحاربه في العراق حاليا. فالعراقيون - الذين تتوفر لديهم معلومات بديهية عن كل شئ
في العراق ابتداء من أحياء المدينة المختلفة إلى اللهجات المحلية إلى الحساسيات
الدينية وحتى اللوحات المعدنية للسيارات -- لديهم ميزة يتفوقون بها على أي قوة
أجنبية في مواجهة مشاكل الأمن الموجودة في العراق في الوقت الراهن، وخاصة في مناطقه
النائية. وقد تحقق نجاح ملحوظ مؤخرا يوم 30 أيار/مايو حينما قبضت القوات العراقية
على عمر بازياني، وهو إرهابي معروف ومشتبه في أنه قاتل، ومن المعتقد أنه من كبار
مساعدي الزرقاوي.
ويوجد حاليا أكثر من 200,000 عراقي في الخدمة أو في التدريب في الفروع الخمسة لقوات
الأمن العراقية -- الجيش الجديد، وفرق الدفاع المدني العراقية، والشرطة العراقية،
وحرس الحدود، وهيئة حماية المرافق العامة. وفيما يعتبر العدد باهرا بالنسبة لتلك
القوات التي لم يكن لها وجود قبل عام، فإن الأرقام وحدها قد تكون مضللة، فما زال
لدى القوات العراقية نواقص كبيرة بالنسبة للتدريب والمعدات والقيادة. ولم يكن أي
أحد يتوقع على الإطلاق أن قوات الأمن العراقية ستكون مستعدة في نيسان/إبريل الماضي
لمواجهة نوعية القتال الذي تعرضت له في الفلوجة وفي منطقة النجف وكربلاء. ولم يكن
من المفاجئ أن يكون أداء العديد من القوات العراقية ضعيفا في هذا القتال الذي حدث
مؤخرا، لكن الكثيرين غيرهم صمدوا بأقدام راسخة وكان أداؤهم مشرفا وجديرا بالإكبار.
ومثال على ذلك، أنه عندما تعرض مقر الحكومة في الموصل لهجوم ليلي ، بقي الحاكم في
مقر عمله تحميه جنود فرق الدفاع المدني الذين صمدوا بفاعلية إلى حين عودة الشرطة
العراقية لأداء واجبها. وطوال القتال كان العراقيون يعلمون أن الأميركيين كانوا
مستعدين للمساعدة إذا احتاج الأمر ، لكن النتيجة أنهم لم يحتاجوا لاستدعائهم. وهناك
أمثلة أخرى حديثة للأداء الفعال لقوات الأمن العراقية، بمن فيهم الذين دربهم
شركاؤنا في التحالف من البريطانيين في منطقة البصرة والذين دعمتهم القوات البولندية
في الحلة.
وبعد العملية الطويلة التي تميزت بالتنافس لتقديم عطاءات للفوز بعقود من ميزانية
إعادة إعمار العراق التي وافق عليها الكونغرس في الخريف الماضي بدأت كميات كبيرة من
المعدات تتدفق لسد النقص لدي القوات العراقية. بالإضافة إلى ذلك، أضاف العراقيون
خلال الشهرين الماضيين مليار دولار أخرى من صناديق الأموال العراقية للوفاء
بالمتطلبات الإضافية للأمن. وقد أصبح تدريب قوات الأمن العراقية موحدا في الوقت
الراهن تحت قيادة جنرال أميركي. ونحن نطبق الدروس المستفادة من النجاح والفشل
للقوات العراقية في المعارك التي دارت في الآونة الأخيرة، وأبرزها: أهمية وجود
قيادة عراقية جيدة، تكون مسؤولة أمام تسلسل قيادي عراقي، تدعمها وتحيط بها قوات
التحالف.
وهدفنا خلال الشهور القليلة القادمة هو إعداد قوات الأمن العراقية لتسلم مسؤوليات
أكبر من قوات التحالف -- بإتاحة الفرصة للعراقيين للسيطرة المحلية على المدن، حتى
عندما تتحول قوات التحالف للقيام بدور مساند وتوفر القوات وقت الحاجة إليها فحسب.
وسنواصل عملية دمج الضباط العراقيين مع قوات التحالف وإلحاق ضباط التحالف بالضباط
العراقيين -- وهو شكل من أشكال تقديم النصح والمشورة الخاصة التي ستستمر لإعداد
وتطوير قيادات أكثر كفاءة للأمن العراقي.
ومن أجل تكوين إحساس حقيقي بالوحدة والاستقلال فإن قوات الأمن العراقية بحاجة إلى
نقطة لاستجماع وحشد قوتها: فالعراقيون يريدون تلقي الأوامر من العراقيين. ومن بين
أولى المهام لوزيري الدفاع والخارجية الجديدين هو وضع تسلسل قيادي للقيادة. وعندما
يستكمل وضع هيكل التسلسل القيادي فإن قوات الأمن العراقية ستدرك أن إخوة عراقيين هم
الذين يتولون قيادتها من القمة.
وبحلول كانون الثاني/يناير نتوقع أن ينمو الجيش العراقي من حجمه الحالي المكون من
ست كتائب إلى 27 كتيبة وهي ما يعني أن قوام هذا الجيش سيكون حوالي 35,000 جندي.
وهناك مبادرة عراقية -- بتشكيل فرقة خاصة تسمى قوة العمل الوطنية العراقية- وهي قوة
يجري تشكيلها حاليا ويفترض أن أول كتيبة من تلك القوة ستكون في شوارع بغداد بحلول
تموز/يوليو. وهناك خطط تدعو إلى أن تصبح فرق الدفاع المدني العراقية 45 كتيبة أي
حوالي 40,000 جندي في خريف العام الحالي. ويوجد في الوقت الراهن ما يقرب من 90,000
فرد يخدمون في الشرطة العراقية -- وعشرات الآلاف غيرهم في قوات وزارة الداخلية --
لكن الكثيرين منهم ليست لديهم خبرة على الإطلاق أو لديهم خبرة محدودة بوسائل
التدريب الحديثة للشرطة. وسيكون التركيز خلال الأشهر القادمة على توفير التدريب
وإعداد القيادة اللازمة لأجهزة تطبيق القانون في مجتمع يحترم دور القانون.
ويتزايد عدد العراقيين الذين يشعرون كما يبدو بأن في استطاعتهم الثقة في قوات
الدفاع الجديدة لديهم. وتبين استطلاعات الرأي العام أن هناك قبولا عاما بنسبة يعتد
بها للقوات العراقية حتى مع تناقص الصبر على قوات الاحتلال. وقد عبر أحد أعضاء
مجالس الأحياء المحلية في بغداد عن هذا الشعور بقوله "إن الناس بدأت تشعر الآن بأن
القوات العراقية تخدم البلد." والجنرال العراقي الذي يقود حاليا الفرقة المكونة
كلها من العراقيين في الفلوجة، وهو محمد عبد اللطيف، قد صرح مؤخرا لتجمع مكون من
حوالي 40 من المشايخ والأئمة وأعضاء مجالس المدن "إن ما جلب القوات الأميركية إلى
هنا كانت أفعال شخص جبان تم الإمساك به بإخراجه من جحر كالفأر، صدام، الذي ألحق بنا
جميعا الخزي والعار ... فلنقل لأبنائنا إن القوات الأميركية جاءت إلى هنا لحمايتنا
.. ويمكننا معاونتهم على مغادرة بلادنا بمساعدتهم على أداء مهمتهم."
وما يفعله العراقيون هو أكثر من مجرد المساعدة. فطبقا لحساباتنا التي ربما تكون أقل
من التقديرات الحقيقية، فإن ما يقرب من 400 عراقي قد ماتوا خلال العام الماضي في
سبيل تحرير العراق من الاستبداد والرعب. ورغم محاولات العدو لإثارة رعبهم فإن
العراقيين يواصلون التقدم بأعداد كبيرة للدفاع عن وطنهم.
ومع ذلك فإن وجود قوات الولايات المتحدة وقوات التحالف الأخرى لن يمكن الاستغناء
عنه للمحافظة على الأمن فيما يواصل العراقيون بناء قوتهم. وسنبقي قواتنا في مكانها
على أي مستوى مطلوب لمجابهة الصداميين وغيرهم من الإرهابيين الذين يبذلون محاولات
يائسة لتقويض تحول العراق نحو الديمقراطية. وقادتنا العسكريون في العراق يواصلون
بشكل مستمر إعادة تقييم عدد القوات التي يحتاجون إليها لأداء مهمتهم. وكما قلنا في
أحيان كثيرة، وكما كرر الرئيس التأكيد في خطابه الأخير إلى الأمة ، فإن قادتنا
العسكريين في الميدان لو احتاجوا إلى مزيد من القوات فإنهم سيحصلون على ذلك.
* إعادة بناء البنية الأساسية للعراق
الخطوة الثالثة في خطة الرئيس لتحقيق النصر في العراق تتضمن إعادة بناء البنية
الأساسية للمجتمع المدني العراقي -- الذي تضرر إلى حد كبير بسبب إهمال صدام حسين له
لعدة عقود. وقد تم تسليم معظم الوزارات إلى العراقيين -- ومن بينها وزارات الصحة
والتعليم والأشغال العامة -- وهي عملية ستكتمل بحلول الأول من تموز/يوليو.
كما تم بالفعل تحويل ما يقرب من عشرين مليار دولار من الأموال العراقية وهي مزيج من
عائدات البترول والممتلكات الموجودة حاليا إلى صندوق التنمية العراقي لتمويل عمليات
الحكومة ومشروعات إعادة الإعمار. ومن المتوقع أن توجه 8 مليارات أخرى من عائدات
البترول إلى هذا الصندوق بنهاية العام الحالي. وهذه الأموال تستخدم في دفع مرتبات
أكثر من 350,000 مدرس وأستاذ جامعي و100,000 طبيب وعامل في مجال الرعاية الصحية،
كما دفع منها 1.2 مليار دولار لتحسين وتطوير البنية الأساسية للكهرباء، و 300 مليون
دولار للمياه والصرف الصحي ومشروعات الري، و 660 مليونا للمحافطة على إنتاج البترول
وتوسيع نطاقه. وبالنسبة للإنفاق على الرعاية الصحية فقد ارتفع بما يساوي 30 مرة عن
معدل الإنفاق عليه قبل الحرب، وأتيح للأطفال الحصول على الأمصال واللقاحات الضرورية
للمرة الأولى منذ أعوام. وباستخدام جزء من الممتلكات العراقية التي تقدر قيمتها
بـ800 مليون دولار التي قدمت لحكام المحافظات وللقادة المحليين وقوات التحالف
والسلطات المحلية تم إصلاح أكثر من 2,200 مدرسة و240 مستشفى.
ويتجه الاقتصاد العراقي الآن أيضا نحو طريق الانتعاش. فقد تم طرح الدينار العراقي
وجرى تبادله بسعر صرف مستقر منذ أكثر من أربعة أشهر.
وبالنسبة للكهرباء التي تعد أحد أهم العوامل المؤثرة في حياة المواطنين العراقيين
فقد عادت طاقة توليد الكهرباء إلى معدلاتها قبل الحرب بما يقارب 4,000 ميجاوات في
طاقتها القصوى. ورغم ذلك فإنه مع زيادة مستوى الرخاء والازدهار في العراق سيزداد
الطلب على الكهرباء بمعدلات سريعة، كما أن شبكة الطاقة الكهربية تعتبر أحد الأهداف
الرئيسية لعمليات التخريب التي يقوم بها الأعداء. ولذلك فإن هذا القطاع سيظل يمثل
تحديا خلال الأشهر القادمة.
وبصفته المصدر الرئيسي للعائدات بالنسبة للحكومة الجديدة، فإن إنتاج البترول يعتبر
هدفا رئيسيا آخر للعدو. وخلال الأشهر الأخيرة بلغ الإنتاج مستوى معدلاته قبل الحرب
أي حوالي 2.4 مليون برميل يوميا. وكانت عائدات إنتاج البترول هذا في عهد صدام
تستخدم لبناء قصور وتصنيع أسلحة؛ أما الآن فإنها تستخدم في بناء المدارس وتطعيم
الأطفال.
ومن الممكن أن تصل معدلات إنتاج البترول العراقي إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا --
وهو معدل لم يصل إليه منذ بداية عملية عاصفة الصحراء -- وهناك احتمالات أن يرتفع
إلى معدلات أكبر. وقد اقترح وزير الكرباء العراقي في الآونة الأخيرة إعادة تشكيل
شركة البترول الوطنية، وهي خطوة ستسهم في تيسير الاستثمارات الأجنبية وتزيد عائدات
العراق أيضا.
* حشد الدعم الدولي
إن المجتمع الدولي كله يراهن على نجاح العراق. وهذه هي الخطوة الرابعة في خطة
الرئيس التي تشمل حشد دعم إضافي لعملية تحول العراق نحو الديمقراطية. وقد قامت
الأمم المتحدة بالفعل بدور مهم في تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في الصيف الماضي،
بالمساهمة البطولية التي قدمها سيرغيو فييرا دي مييو الممثل الخاص لأمين عام
المنظمة الدولية الذي فقد حياته أثناء تلك العملية. وفي أحدث تطور قام السفير
الأخضر الإبراهيمي بدور رئيسي بالنيابة عن أمين عام الأمم المتحدة خلال الربيع
الحالي في تشكيل الحكومة العراقية الانتقالية. ويوجد في العراق فريق متخصص في
الانتخابات تابع للأمم المتحدة ويعمل الفريق على تيسير عملية إجراء الانتخابات
الوشيكة. وقد أسهمت القرارات الثلاثة التي أصدرها مجلس الأمن الدولي بالإجماع في
أيار/مايو، وآب/أغسطس، وتشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي في توفير الأساس اللازم
لجهود التحالف في العراق، بما في ذلك القوة المتعددة الجنسيات تحت قيادة الولايات
المتحدة. وبالأمس وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على الجدول الزمني للتحول الذي
وافق عليه العراق ودعا بقية أعضاء الأمم المتحدة إلى تقديم الدعم له.
هناك 31 دولة بالإضافة إلى الولايات المتحدة والعراق لديها قوات تقاتل بشجاعة من
أجل العراق الحر، وقد ضحى أكثر من مائة جندي منهم بأرواحهم. وفي الخريف الماضي عقدت
70 دولة في مدريد مؤتمرا للجهات المانحة وتعهدت بتقديم مليار دولار لبناء عراق جديد.
وستظل مساعدة المجتمع الدولي مهمة من أجل المساهمة في وقوف العراق على قدميه.
* الحكم الذاتي في العراق
الخطوة الخامسة في خطة الرئيس تتضمن رعاية ودعم قدرة العراق على تشكيل حكم ذاتي
يمثل الشعب العراقي ويفضي إلى تشكيل حكومة دستورية بنهاية 2005 .
وحينما تنتقل مسؤوليات الحكم اليومية في 30 حزيران/يونيو، فإن العمل سيكون قد بدأ
بالفعل في المرحلة التالية من العملية حسبما حدد قانون إدارة الدولة، الذي يعد
بمثابة دستور مؤقت صاغة العراقيون في شهر آذار/مارس. وستستمر الحكومة الانتقالية في
العمل حتى نهاية 2004، حينما يتوجه العراقيون إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم
لأول حكومة وطنية منتخبة بحرية في تاريخ العراق. وسيكون ضمان إجراءات الأمن
الضرورية تحديا رئيسيا وسيستلزم مساعدة قوات التحالف. ومن المقرر أنه بنهاية 2005
سيصوت العراقيون على الدستور الجديد الذي يصون حقوق كل مواطنيه من جميع الأديان
والجماعات العرقية.
وسوف يفعل القتلة والجلادون الذين أبقوا صدام في السلطة كل تلك السنوات، هم
وحلفاؤهم من الإرهابيين -- الذين يخشون أيضا من وجود عراق حر -- سيفعلون كل ما في
استطاعتهم ، من خلال الإرهاب والعنف، للحيلولة دون إتمام تلك العملية. إنهم خبراء
في نشر الموت والدمار وينبغي عدم الاستهانة بهم. لكنهم لا يقدمون شيئا إيجابيا
للشعب العراقي، والشر الذي يمثلونه هو ما لا توده سوى فئة قليلة من العراقيين
لأنفسهم ولأبنائهم. إننا بتمكين العراقيين من تولى زمام القيادة في الكفاح من أجل
مستقبل العراق، سنجابه الصداميين والإرهابيين بالهزيمة التي يخشاها الزرقاوي.
ولا يوجد ما هو أهم بالنسبة لأمن العالم أكثر من دحر قوى الشر عن طريق رعاية بذور
الحرية -- خاصة في العراق وأفغانستان. إن أعداءنا يدركون أن تلك المناطق هي الآن
الساحة الرئيسية للمعارك في الحرب على الإرهاب. لكن العبء لا يقع على عاتقنا وحدنا.
فخلال وقت قصير - بدرجة ملحوظة- أظهر القادة العراقيون على اختلاف نوعياتهم، أنهم
يتعلمون فنون التسوية السياسية -- وأنهم يكرسون كل جهودهم من أجل المحافظة على وحدة
وطنهم. والآن حانت اللحظة الحاسمة التي ينبغي أن يرتفع فيها العراقيون إلى مستوى
التحدي. وحان الوقت للعراقيين للإمساك بمستقبل العراق بين أيديهم.
وفيما عبر عنه عمر- صاحب النشرة المجانية على الانترنت- في ختام تأملاته التي عبر
عنها في موقعه في أعقاب مقتل عز الدين سليمن ما يمكن أن نعتبره دليلا إضافيا على أن
العراقيين مستعدون. إذ قال: "هل نحن حزانى؟ نعم بالطبع. لكننا لن نفقد حماسنا على
الإطلاق، لأننا نعرف أعداءنا، وقررنا أن نمضي في تلك المعركة حتى النهاية ... لقد
تذوقت الحرية، وإنني وأصدقائي نفضل الموت ونحن نقاتل للحفاظ على الحرية قبل أن أجد
نفسي واقعا في شرك لكابوس آخر من الدم والقهر."
ونحن سنظل ملتزمين، مثلنا مثل عمر، ومثلما ظل شباب أميركا الموجودون في العراق. كما
سنظل متفائلين ويحدونا الأمل. إن تاريخنا شاهد على صدق حقيقة أن الديمقراطية يمكن
أن تكون مكافأة صعبة المنال. لكننا نعلم أيضا أن الهدف يستحق النضال من أجله.