باول يتعهد بالمساعدة على قيام عراق حر ديمقراطي
يصبح مثلا تحتذيه دول المنطقة
واشنطن، 16 أيار/مايو - دافع وزير الخارجية كولن
باول في كلمة له في المنتدى الاقتصادي العالمي عن المؤسسة العسكرية الأميركية مؤكدا
على أن "ما ارتكبته قلة قليلة من العسكريين من إساءة ضد المعتقلين العراقيين يتعارض
كليا مع القيم التي نحترمها كعسكريين والقيم التي نحافظ عليها كشعب." وأكد أن
الولايات المتحدة جادة في نقل السيادة إلى العراقيين في موعدها المحدد وفي مساعدتها
الشعب العراقي في إعمار بلده وإقامة حكم ومجتمع في عراق حر ديمقراطي قائم على أساس
القانون واحترام الجيران.
وجدد باول التأكيد بأن الرئيس بوش مازال ملتزما بتحقيق رؤيته في وجود دولتين،
فلسطينية وإسرائيلية تعيشان معا في سلام، ودعا الفلسطينين إلى عدم إضاعة الفرصة
القائمة التي أتاحتها خطة شارون في الانسحاب من غزة وبعض أجزاء الضفة الغربية،
مشددا على أنها تعيد التحرك على خريطة الطريق.
ودعا باول دول المنطقة العربية إلى إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية قال إن المنطقة
تدرك حاجتها إليها، لكنه شدد على أن هذه الإصلاحات ينبغي أن تنبع من داخل كل بلد
وفق ظروفه لأنها لا تفرض من الخارج. وقال إن أميركا على استعداد للمساعدة في
الإصلاح كشريك وصديق وبتقديم الخبرة والمال والأفكار.
وخاطب باول المشاركين في جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن في الجلسة
الافتتاحية أمس السبت 15 أيار/مايو بكلمة أشار فيها إلى أن موضوع العراق يستأثر
للسنة التالية على التوالي بالجانب الأكبر من اهتمام المنتدى. وأضاف أنه لبحث موضوع
العراق "لا بد لي من التحوّل قليلا والبدء بما حدث في السجن المعروف بأبو غريب."
وأعاد باول إلى الذاكرة خدمته العسكرية التي دامت 35 سنة وقال إنه يعتز بها "لكن ما
رأيته في تلك الصور وما رايتموه أنتم في تلك الصور هزني كما هزكم وهز الأميركيين
وجعلنا في حالة إنكار وعدم تصديق لعدة أيام."
وشدد باول على أن ما فعلته هذه الفئة القليلة من العسكريين لا ينسجم إطلاقا مع ما
عرفه عن المؤسسة العسكرية الأميركية التي "رأيت فيها الشبان المجندين يموتون في
المعركة دفاعا عن مبادئنا ويحاربون دائما بشرف وكرامة." ووصف باول الأميركيين بأنهم
"لا يكلّون في المعركة لكنهم عطوفون في السلام." وساق مثلا على ذلك مساهمة الولايات
المتحدة في إعمار أوروبا وبعض أجزاء آسيا بعد الحرب العالمية الثانية وبعد حرب
كوريا.
وأقر باول بأن الولايات المتحدة مرت بظروف صعبة بعد الحروب وارتكبت أخطاء لكنها
كانت تنجح في النهاية "فنحن ننجح لأن لأميركا قدرة هائلة على فعل الخير وعلى استقاء
الدروس من أخطائها." وقال إنه إذ يشارك كل أصدقاء أميركا استياءهم لما حدث في أبو
غريب، يتعهد مخلصا "بأننا سنعالج هذه القضية وسنرى أن العدل سيتحقق" وبتصحيح الأمور
في تسلسل القيادة العسكرية إذا تبين وجود أي خطأ، واعدا بتطبيق الديمقراطية
الأميركية وإظهار فاعليتها.
وأشار باول إلى أن هناك عدة تحقيقات جارية وعلى عدة مستويات عسكرية ومدنية وفي
الكونغرس لكشف الحقائق ومعاقبة المسؤولين مشيرا إلى أن وزير الدفاع دونالد رمسفلد
سافر إلى بغداد خصيصا وتفقد السجن للاطلاع بنفسه على الوضع "والتأكد من عدم وجود أي
سوء فهم أو التباس في ذهن أي من قادتنا بالنسبة لما نتوقع منهم من الالتزام بأعلى
مستويات السلوك تجاه من هم في حوزتنا وتحت رعايتنا."
ودعا باول في كلمته المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي إلى عدم إهمال النظر
إلى الجانب الآخر للوجود الأميركي في العراق وقال "إن هناك اليوم آلافا من الجنود
الأميركيين يعملون في بناء المدارس ويتبادلون السلام والمصافحة مع الأطفال ويعيدون
تجهيز المستشفيات ويصلحون أجهزة وشبكات الصرف الصحي" ويقومون بآلاف المهام
الإنسانية.
وكرر باول مرة أخرى الاستياء مما فعله عدد قليل من الجنود في العراق لكنه شدد مرة
أخرى أيضا على "اعتبار العمل الرائع الذي يقوم به الشبان الذين تركوا أوطانهم في
أميركا لكي يخدموا في العراق وفي أماكن أخرى من العالم حيث تتعرض الحرية للخطر أو
هي في خطر."
وذكّر باول بأن أميركا "طالما هبت وقدمت يد العون لمساعدة الآخرين على طريق التقدم
والقضاء على الفقر ومكافحة الأمراض وإحياء الآمال." وأشار إلى أن الزمن كفيل بإثبات
أن أميركا مازالت هي التي "نريد أن تؤمنوا بها وبأنها مازالت أفضل أمل لتحقيق
السلام في العالم."
وأوضح أن ما يجري في العراق الآن بعد زوال نظام صدام حسين وذهابه إلى غير رجعة هو
العمل مع الشعب العراقي والأمم المتحدة وشركاء الائتلاف لتميهد طريق مسيرة التقدم
إلى الأمام، مشيرا إلى الجهود التي يبذلها كل من المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي
في العراق ورئيس سلطة الائتلاف المؤقتة بول بريمر في واشنطن في سبيل "تنفيذ خطة
تدعم دعما تاما خطة إيجاد حكومة مؤقتة في العراق تتولى زمام الأمور" اعتبارا من
الأول من تموز/يوليو لفترة ستة أو سبعة أشهر تتم خلالها تهيئة الظروف الملائمة
لاختيار مجلس وطني يمثل الشعب العراقي ويختار الحكومة الانتقالية المناسبة بنهاية
كانون الثاني/يناير 2005 القادم.
وأعرب باول عن أمله في ينتهي الإبراهيمي من مشاوراته خلال الأسبوعين القادمين ويتم
من ثم تحديد الشخصيات التي ستتولى سلطات الحكومة المؤقتة، "فنحن نبحث عن قياديين
يتمتعون باحترام العراقيين، مقبولين من الشعب العراقي." وأكد أن العراق سيتحرك
بمجرد العثور على هؤلاء الأشخاص "نحو تحقيق الحرية والكرامة لكل رجل وامرأة في
البلاد."
وأكد باول أن السفير بريمر عندما يغادر العراق بنهاية حزيران/يونيو بعد حل سلطة
الائتلاف المؤقتة "وانتهاء مهمة عمله الرائع في ظروف بالغة الصعوبة لن يحل محله
السفير الجديد نغروبونته الذي سيذهب إلى العراق لإنشاء سفارتنا" بل سيحل محله رئيس
ورئيس وزراء ونائب رئيس ووزراء عراقيون "يكونون مسؤولين تجاه الشعب العراقي."
وأوضح باول أن مهمة السفير الجديد في العراق ستكون التعاون مع الحكومة العراقية
المؤقتة والشعب العراقي والمساعدة في "الإفادة من الموارد المالية التي رصدها
الكونغرس الأميركي من أصل ملحق الميزانية المخصص للعراق ويبلغ 18 ألف مليون دولار،
وإنفاق هذه الأموال بشكل يخدم الشعب العراقي ويساعده" في الإعمار وإصلاح البنية
التحتية والمستشفيات والمدارس وتوفير المواد التعليمية "وتلبية الاحتياجات الملحة
للمجتمعات العراقية وإرساء قواعد الاقتصاد على أسس من الحرية والانفتاح
والديمقراطية."
وتطرق باول في كلمته في المنتدى العالمي إلى الوضع الأمني في العراق وقال "إنه
يقتضي بقاء قواتنا بناء على دعوة من الحكومة المؤقتة لفترة من الزمن. ونحن ندرك
تقدير الحكومة المؤقتة لجهودنا في ملاحقة العناصر المتبقية من النظام السابق وأولئك
الذين يحاولون العودة بالعراق إلى الماضي." إلا أن باول أوضح أن هؤلاء إذا واصلوا
القتال فهم لن يحاربوا الائتلاف "بل سيحاربون شعبهم وحكومتهم وقادتهم." لكنه شدد
على أن مسيرة الديمقراطية لن تتوقف وستقوم حكومة تعيش في سلام مع جيرانها.
وأقر باول بصعوبة المهمة المقبلة لكنه أعرب عن إيمانه بأن "تحرير الشعب العراقي من
طغيان استمر عشرات السنين يتيح الفرصة للعراق والشعب العراقي لرسم طريق الحرية
والازدهار، وسيشكل نجاحهم نموذجا تحتذيه دول المنطقة الأخرى." ووصف باول الخطر في
الشرق الأوسط بأنه كبير "ولذا يريد الجميع للشرق الأوسط أن يعيش في سلام وازدهاروأن
يكون حيويا ثقافيا وحرا سياسيا."
وانتقل باول في حديثه إلى المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي الى التحديات
الأخرى التي تواجه العالم اليوم مشيرا إلى أن قضية السلام في الشرق الأوسط وتسوية
النزاع الإسرائيلي الفلسطيني تحتل جانبا كبيرا من اهتمام الولايات المتحدة وتفكيرها.
وقال إن القضية استأثرت أيضا بقسط وافر من مباحثات اللجنة الرباعية ومجموعة الدول
الصناعية الثماني وكانت وما تزال هدف الاتصالات المستمره "مع أصدقائنا العرب
وأصدقائنا الإسرائيليين للتعرف على كيفية إعادة تنشيط العملية السلمية في الشرق
الأوسط."
وأشار باول في هذا الصدد إلى كلمات العاهل الأردني الملك عبد الله في افتتاحه جلسات
المنتدى العالمي وقال فيها إنه "مالم نحرك هذه القضية وما لم نبدأ العملية السلمية
من جديد، فإنها ستظل عبئا، وعبئا كبيرا على المنطقة وثقلا يغلّ قدرتنا على إنجاز أي
أمر آخر في المنطقة."
وشدد باول على التزام الرئيس بوش المطلق وعدم تراجعه أبدا عن تعهده بتحقيق "الرؤية
التي عرضها على العالم في خطابه في حزيران/يونيو 2002 وتحدث فيه عن إقامة دولة
فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب في سلام مع إسرائيل." وأكد باول أن بوش مازال واضحا في
التزامه بتحقيق هذا الهدف، ولذا جرت اتصالات متعددة وموسعة مع الفلسطينيين
والإسرائيليين والمصريين والأردنيين وغيرهم في العقبة وشرم الشيخ وغيرها من الأماكن
ضمن إطار العمل لتحقيق هذا الهدف.
وأشار باول إلى اجتماعه برئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع قبل قليل من توجهه
للمشاركة في أعمال المنتدى الدولي وقال "إنني آمل في أننا كنا قادرين على إقناعه
بأننا هنا لكي نساعد."
وفي إشارة إلى الموقف الأميركي الذي نتج عن خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي آريل شارون
بالانسحاب من غزة وإزالة المستوطنات الإسرائيلية من غزة وأربع من الضفة الغربية وما
أعلنه الرئيس بوش من تأييد للخطة بعد اجتماعه بشارون، قال باول إن "الرئيس اتخذ هذه
الخطوة والتدابير التي اتخذناها لسبب بسيط وهو أن العملية السلمية لم تكن تتقدم رغم
الجهود الكبيرة التي بذلها الجميع ورغم عمل الرباعية والاجتماعات والمؤتمرات."
وأوضح أن خطة شارون فتحت المجال أمام إزالة المستوطنات لأول مرة والتحرك "وشعرنا أن
من الضروري للإفادة من المبادرة الاعتراف ببعض الحقائق المتغيرة على الأرض."
وأكد باول أن الرئيس والمسؤولين الأميركيين أوضحوا في تصريحاتهم "أننا ما زلنا
ملتزمين بالمبدأ القائل بأن قضايا الوضع النهائي ينبغي أن تحل وتتقرر باتفاق
الطرفين المعنيين ولا يمكن أن تفرض من الخارج، وأن كل ما يتم في هذا السبيل ينبغي
أن يكون منسجما مع خريطة الطريق، وأن الأساس الكامل للحل يقوم على قراري الأمم
المتحدة الشهيرين 242 و338 وغيرهما" من القرارات الدولية.
ودعا باول إلى عدم إضاعة هذه الفرصة وأشار إلى أنه حث الفلسطينيين في اتصالاته معهم
على البدء في التفكير في كيفية تولي "المسؤولية في غزة والاستعداد للتحول المنتظر
وكيفية توفير الأمن والمحافظة عليه وإنهاء الإرهاب، وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن
يساعدهم" وكيف يمكن أن تساعدهم مصر والأردن "وكيف نقف نحن على استعداد لهذه الفرصة
التي أعتقد أنها قائمة في المستقبل."
وأشار باول إلى أن هناك فرصة أخرى قائمة ينبغي عدم تجاهلها وهي فرصة الإصلاح. وأكد
أن "هناك حاجة للإصلاحات في كل دول المنطقة." لكنه أكد أيضا أن الولايات المتحدة "لا
تنوي فرض الإصلاحات على أحد" مشيرا إلى أن ما دأبت على فعله في الشهور الماضية هو
التعاون مع أصدقائها العرب في التعرف على ما يفكرون به على أنه مناسب لهم.
وقال باول إن الولايات المتحدة أخذت في اعتبارها في نظرتها إلى الإصلاحات في الشرق
الأوسط تقرير الأمم المتحدة عن التنمية ومؤتمر مكتبة الإسكندرية وكل التطورات التي
تشهدها المنطقة بما فيها الاجتماعات الوزارية التي تناولت الموضوع.
وأوضح أن ما تسعى إليه الولايات المتحدة هو خلق شراكات من خلال إدراكها أن البلاد
تختلف عن بعضها "ولكل بلد وضع مختلف وظروف مختلفة وتاريخ مختلف وثقافة مختلفة وأمان
ورغبات وآمال وأحلام خاصة." وقال إنه تم بحث خلق هذه الشراكات مع القياديين العرب
ومع المسؤولين في مجموعة الدول الثماني كما بحثت وسائل المساعدة عن طريق هذه
الشراكات.
وجدد باول التأكيد على أن الإصلاح لا يفرض من الخارج وإنما يأتي من الداخل ومن داخل
كل بلد على حدة مشيرا إلى أن بإمكان الولايات المتحدة أن تعرض أفكارا وأن تقدم
أموالا وأن تعرض خبرة وقدرة على بساط البحث.
وقال باول إن هناك حاجة إلى "تدريب القضاة والبرلمانيين والصحفيين والتشجيع على
الابتكار في التربية والتعليم والترويج لمشاركة المرأة في المجتمع على جميع
المستويات." وأوضح باول أن هذه أفكار ليست من عنده بل سمعها من المثقفين والباحثين
والقادة السياسيين للمنطقة الذين يدركون ما ينبغي عمله."
وفي ختام كلمته إلى المنتدى العالمي وجه باول حديثه إلى شعوب المنطقة قائلا إن
الرسالة التي يحملها إليها هي أن "الولايات المتحدة تريد أن تكون صديقة وشريكة كل
بلد وكل شعب في كل جزء من أجزاء العالم. ولذا فإن الولايات المتحدة عازمة على إتمام
المهمة التي بدأتها في العراق، وننوي أن نساعد الشعب العراقي في بناء حكم ومجتمع
يقومان على أساس القانون وعراق يعتز بكونه عضوا في أسرة دول الخليج، عراق لا يشكل
أي تهديد لجيرانه."
وأكد باول أن الولايات المتحدة ستسلم مقاليد الأمور للعراقيين "فنحن لم نسع أبدا
للهيمنة ولم نسع إطلاقا للسيادة على أي أرض ولسنا طامعين في موارد أحد. وإننا إذ
نأت أحيان بجنودنا، فإنما نأتي في سبيل السلام."
وختم باول كلمته بالتأكيد على أن الولايات المتحدة "لن تتراجع عن التزامها في
محاولة إيجاد تسوية لمشلكة الشرق الأوسط. فلن نتوقف عن التعاون مع زملائنا
الفلسطينيين والإسرائيليين في سبيل دفع المسيرة إلى الأمام."
وقال إن "العرب جميعا سيجدون في أميركا صديقا في الإصلاح، صديقا وشريكا يرغب في بذل
كل ما في وسعه للمساعدة في بعث الأمل في كل الأجيال العربية الطالعة" وفي كل النساء
وفي كل الشعوب الساعية في سبيل الحرية وتحقيق عالم أفضل، وفي كل المكافحين ضد الفقر
والمرض الذي يستاءلون عما إذا كان هناك من يهتم. ولكن "ليعلموا أننا جميعا نهتم،
وأنه ليس هناك من أحد أكثر حرصا واهتماما من الولايات المتحدة، وما من أحد يقف على
استعداد للبذل أكثر مما تعطي الولايات المتحدة."